يشهد العالم اليوم تسارعًا كبيرًا في تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، الأمر الذي يثير تساؤلات حول مدى تأثير هذه التقنيات على حياتنا، فبدءًا من أتمتة العمليات الصناعية، وليس انتهاءًا بتطوير الويب والتطبيقات، أثبت الذكاء الاصطناعي قدرته العالية على إعادة تعريف طرق العمل في مختلف الصناعات.
ومن جهة ثانية يبرز ووردبريس كواحد من أفضل الطرق وأكثرها شعبية لإنشاء المواقع الإلكترونية، حيث تشير الإحصائيات إلى أنه يشغل 43% من المواقع على الإنترنت تقريبًا.
لكن يعتقد البعض أن التقدم المذهل في قدرات الذكاء الاصطناعي، خاصة في مجالات إنشاء المواقع وتوليد المحتوى، يهدد تربع ووردبريس على عرش طرق بناء المواقع وإدارتها، فهل هذا صحيح؟
نظرة على تطور أدوات الذكاء الاصطناعي في إنشاء المواقع
تعود بدايات استخدام الذكاء الاصطناعي (AI) في تطوير الويب إلى عدة أعوام خلت، وذلك عندما أُطلقت منصة The Grid التي تحلل المحتوى الذي يدخله المستخدم، ثم تستخدم AI لإنشاء الموقع الإلكتروني بشكل تلقائي، وبالرغم من أنه لم يكتب للمنصة النجاح، إلا أنها كانت نقطة تحول مهمة في المجال.
واليوم، وبعد أكثر من 10 سنوات ازدادت قدرات الذكاء الاصطناعي بشكل كبير، وأطلقت منصات أخرى أكثر تطورًا، من أهمها Hostinger AI Website Builder و GoDaddy Website Builder و Lovable، وكلها تعتمد على نفس الطريقة، وهي بناء الموقع تلقائيًا اعتمادًا على إدخالات من المستخدم.
فمثلًا عند استخدام أداة Hostinger AI Website Builder أدخلت اسم الشركة ووصفًا قصيرًا عن الموقع الذي أريد بناءه.
وبعد النقر على زر إنشاء الموقع (Create a website)، كانت هذه النتيجة.
وبالطبع أمكنني بعد ذلك تعديل الموقع عبر محرر الموقع، لكن قدرات التخصيص كانت منخفضة نسبيًا، والوظائف المتوفرة التي يمكنني إضافتها كانت محدودة.
وعمومًا تمتاز جميع أدوات إنشاء المواقع بالذكاء الاصطناعي بسهولة الاستخدام هذه التي تتمتع بها Hostinger AI Website Builder، لكنها جميعًا تعاني أيضًا من نفس العيوب، وهي قلة قدرات التخصيص وعدم توافر كافة الوظائف التي قد تحتاجها.
كيف تأثر ووردبريس فعلًا بأدوات الذكاء الاصطناعي حتى الآن؟
لا تشير الدراسات الإحصائية إلى تراجع استخدام ووردبريس بسبب تطور الذكاء الاصطناعي، بل تظهر الوقائع تكاملًا بينهما، فقد ارتفعت نسبة استخدام ووردبريس عام 2025 إلى 43.6% بعد أن كانت 43.1% بداية عام 2024، وبالرغم من أن هذا النمو لا يمثل مقدارًا كبيرًا، إلا أنه المتوقع عند الأخذ بالاعتبار أن ووردبريس يشغل أكثر من ثلث مواقع العالم، ويرجح أنه وصل إلى مرحلة النضج السوقي.
وبالتالي بدلًا من أن يؤثر AI على حصة ووردبريس من المواقع، كان له دور في تطور وظائف المنصة وإضافاتها، فقد أصبح يستخدم على نطاق واسع في كتابة المحتوى، وتوليد الصور، وتحسين محركات البحث، وبناء مواقع إلكترونية ابتدائية تعتمد على ووردبريس.
ما لا يستطيع الذكاء الاصطناعي تقديمه مقارنة بووردبريس
يعود سبب عدم تأثر ووردبريس نتيجة ظهور أدوات بناء المواقع بالذكاء الاصطناعي إلى أوجه قصور عديدة لا تزال تعاني منها هذه الأدوات، فمثلًا معظم أدوات AI تختص فقط بتصميم المواقع، ولا توفر أيًا من الوظائف التي تحتاجها المواقع المتخصصة، مثل أنظمة بيع المنتجات للمتاجر الإلكترونية، وأنظمة إدارة الدورات للمنصات التعليمية.
بالإضافة إلى ذلك، تفتقد أدوات الذكاء الاصطناعي إلى اللمسة الإبداعية البشرية والحس الإنساني الذي يحتاجه تصميم موقع متميز وفريد، فما تنتجه يعتمد بالضرورة على البيانات التي دربت عليها، كما أن ووردبريس يوفر تحكمًا كاملًا في الموقع وبياناته، فهو نظام مفتوح المصدر تستضيفه على استضافتك الخاصة، وهذا أمر لا توفره غالبية أدوات بناء المواقع بالذكاء الاصطناعي.
تكامل الذكاء الاصطناعي مع ووردبريس
لقد بدأنا نشهد تكاملًا بين ووردبريس والذكاء الاصطناعي بالفعل، ومن المتوقع أن يستمر هذا التكامل ويتعمق مستقبلًا في مختلف الجوانب:
تحسين تجربة المستخدم
في الوقت الحالي، أصبح الذكاء الاصطناعي يُستخدم على نطاق واسع في تحسين تجربة المستخدمين بطرق مختلفة، فمثلًا توفر إضافة Tidio روبوت دردشة يعمل بـ AI ويجيب عن 70% تقريبًا من استفسارات العملاء، مما يقلل من وقت الاستجابة ويزيد من رضا العملاء، كما تستخدم OptiMonk الذكاء الاصطناعي لإظهار عروض ترويجية مخصصة بناء على تفاعلات المستخدمين.
توليد المحتوى
يمثل توليد المحتوى أحد المجالات التي أظهر فيها الذكاء الاصطناعي قدرات جيدة في ووردبريس، إذ تعتمد العديد من إضافات ووردبريس الحالية على نماذج AI لتوليد المحتوى النصي، مثل المقالات وأوصاف المنتجات، والصفحات التعريفية، وكذلك المرئي مثل الصور والفيديوهات، ومنها إضافة AI Engine التي تدعم موفري نماذج عديدة مثل OpenAI و Anthropic و Google.
تعزيز أمان ووردبريس
يعد الأمان أولوية قصوى لكل أصحاب المواقع، ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يقدم حلولًا فعالة في هذا المجال، حيث يمكن استخدامه لاكتشاف وإزالة البرمجيات والأكواد الضارة والتهديدات الأمنية التي تستهدف ووردبريس، فضلًا عن تحليل سلوكيات المستخدمين والزوار بحثًا عن أي نشاط مشبوه.
فمثلًا تستخدم إضافة Shield Security نموذج AI يحدد فيما إذا كانت تتضمن أكواد PHP أي تعليمات خبيثة بدقة تصل إلى 90%، ومن المتوقع أن تتوجه معظم إضافات الحماية إلى استخدام الذكاء الاصطناعي على الأقل في بعض وظائفها في المستقبل القريب.
تحسين محركات البحث SEO
يمكن لـ AI أن يلعب دورًا محوريًا في تبسيط عملية جعل مواقع ووردبريس متوافقة مع محركات البحث، وبالتالي زيادة عدد الزيارات العضوية، فمثلًا تقدم Rank Math اقتراحات ديناميكية للكلمات الرئيسية والروابط، كما توفر إمكانية استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي لتوليد عناوين السيو والأوصاف التعريفية والنصوص البديلة للصور.
ومستقبلًا من المتوقع أن تصبح أدوات AI أكثر إداركًا لنية البحث، وتقدم توصيات دقيقة لتحسين المحتوى، ومن الممكن أن نشهد وجود أدوات تحسن تلقائيًا المحتوى القديم ليتوافق مع خوارزميات محركات البحث الجديدة.
تصميم واجهات المواقع
حاليًا توجد العديد من الأدوات التي تتكامل مع ووردبريس لإنشاء تصميمات أولية لصفحات الموقع بناء على معلومات يقدمها المستخدم عن الموقع الذي يرغب بإنشائه، ومن الأمثلة عليها Hostinger AI Website Builder for WordPress و ZipWP، لكن هذه الأدوات لا تزال غير قادرة على إنتاج تصميمات نهائية يتم نشرها على الفور، وتكاملها مع اللغة العربية محدود، لكن مع الوقت يتوقع أن تتحسن نتائجها وتقل التعديلات التي نحتاج إليها قبل أن نحصل على تصميم احترافي مناسب.
كيف يمكن لمطوري مواقع ووردبريس الاستفادة من AI بدلًا من الخوف منه؟
بناء على ما سبق يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي يعد تقنية قوية يمكن أن تساهم في تطوير ووردبريس وقوالبه وإضافاته، وتجعل عملية إدارة المواقع الإلكترونية أكثر سهولة، وبالتالي إذا كنت تمتلك موقع ووردبريس أو كنت مطور ووردبريس، من الأفضل أن تعمد إلى الاستفادة منه بدلًا من الخوف.
أحد أوجه الاستفادة هو استخدام AI لكتابة الأكواد البرمجية البسيطة لموقعك، فمثلًا طلب مني مرة أحد العملاء إزالة 900 منتج من متجره، لكنه أراد أيضًا حذف الصور المرتبطة مع هذه المنتجات من مكتبة الوسائط بالكامل، وهذه وظيفة غير متوفرة بشكل افتراضي في ووكومرس، ولذلك كتبت كودًا يحذف الصور المرتبطة مع المنتج عند حذف المنتج نفسه عبر استخدام الذكاء الاصطناعي، واستخدمته لتنفيذ المطلوب.
كذلك يمكن لأصحاب المواقع الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في مهام أخرى، مثل تدقيق المحتوى النصي أو إعادة صياغته ليبدو أكثر احترافية أو تحسين الأمان والسيو. هذا يساعد على توفير وقت كبير، ويسهل عملية إدارة الموقع.
وبالنسبة للمطورين، فيمكنهم استخدام الذكاء الاصطناعي لتسهيل عملية تطوير إضافات وقوالب ووردبريس، إذ يقدم AI فائدة عالية في هذا المجال، وهذا أمر اختبرته وتأكدت منه عندما طورت إضافة ختَّام اعتمادًا على تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وبالتالي فإن الذكاء الاصطناعي ليس نهاية ووردبريس على الإطلاق، بل هو فرصة جديدة لتحسين النظام وجعله أكثر قوة ومرونة وقدرة على تلبية احتياجات المستخدمين، فقد أثبت ووردبريس على مر السنين قدرته على التكيف مع التقنيات الجديدة، وتشير جميع الوقائع الحالية إلى أن علاقة طبعُها التكيف والاندماج بدأت تحدث منذ فترة بين النظام وتقنية الذكاء الاصطناعي في مختلف الجوانب.
